محمد منصور
كشفت دراسة جديدة أن جينات الأم قد تلعب دوراً أكبر من جينات الأب في تحديد ما إذا كان الطفل سيعاني من زيادة في الوزن، وذلك بفضل ظاهرة تُعرف بـ"الرعاية الجينية".
والرعاية الجينية هي مفهوم ناشئ في علم الوراثة والسلوك، يشير إلى التأثير غير المباشر لجينات الوالدين على صحة وسلوك أطفالهم، ليس من خلال الجينات التي يرثها الطفل، بل من خلال البيئة التي يصنعها الوالدان نتيجة لجيناتهم.
على سبيل المثال، قد يمتلك أحد الوالدين جينات تؤثر على مستوى تعليمه أو نمط حياته أو عاداته الغذائية، وهذه الجينات -حتى إن لم تُورث مباشرة للطفل- تساهم في تشكيل بيئة معينة ينشأ فيها، وبالتالي تؤثر على نموه البدني أو العقلي، ما يُعرف أحياناً بـ"الوراثة عبر البيئة" أو "الرعاية الجينية".
ويكشف هذا المفهوم أن التأثير الجيني يتجاوز حدود الحمض النووي المنقول، ليشمل "كيفية ترك جينات الأهل بصمتها في نمط التنشئة وظروف الحياة".
ووفقاً للباحثين، فإن تأثير الأم على وزن طفلها لا يقتصر فقط على الجينات التي تورثها له، بل يمتد ليشمل البيئة التي تنشئها حوله -من النظام الغذائي إلى أساليب التنشئة- وهي بيئة تتأثر بدورها بجينات الأم نفسها.
اعتمدت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة "كوليدج لندن" بالمملكة المتحدة، ونُشرت في دورية "بلوس جيناتكس" (PLOS Genetics)، على تحليل بيانات وراثية وصحية لـ2621 أسرة بريطانية مشاركة في دراسة "ميلينيوم كوهورت" (Millennium Cohort) التي تتبع أفراداً وُلدوا بين عامَي 2001 و2002.
وراقب الباحثون تأثير مؤشر كتلة الجسم لدى الوالدين على وزن الأطفال ونظامهم الغذائي في ست مراحل عمرية مختلفة: (3، 5، 7، 11، 14، و17 سنة).
كما تم تقييم النظام الغذائي للأطفال من خلال تقاريرهم الذاتية عن تكرار وكميات تناولهم لمجموعات غذائية مثل الفواكه والخضروات والوجبات السريعة والمشروبات السكرية.
التوارث الجيني المباشر
ولم تكتفِ الدراسة بمقارنة السمات الوراثية الموروثة، بل استخدمت منهجاً دقيقاً لفصل تأثير الجينات التي تم توارثها عن تلك التي لم تُورث ولكنها تؤثر بشكل غير مباشر على البيئة التي ينمو فيها الطفل.
ووجد الباحثون أن تأثير جينات الأب على وزن الطفل يمكن تفسيره تقريباً بالكامل من خلال التوارث الجيني المباشر، أما جينات الأم، فحتى بعد استبعاد التأثير الوراثي المباشر، بقي لها أثر واضح على وزن الطفل، ما يشير إلى أن الأم، عبر خصائصها الوراثية، تخلق بيئة تؤثر على صحة الطفل، سواء من خلال التغذية أثناء الحمل أو أنماط الحياة اليومية.
في عام 2024، وصل عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من زيادة الوزن إلى 35 مليون طفل، بينما أظهرت بيانات عام 2022 أن أكثر من 390 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عاماً يعانون من زيادة الوزن، من بينهم 160 مليون مصابون بالسمنة.
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية زيادة الوزن لدى الأطفال دون سن الخامسة بأنها الحالة التي يكون فيها وزن الطفل مقابل طوله أعلى من انحرافين معياريين فوق متوسط معايير النمو، أما السمنة فتُعرّف عندما يتجاوز هذا الوزن 3 انحرافات معيارية.
وبالنسبة للأطفال الأكبر سناً، أي من 5 إلى 19 عاماً، يُعد الطفل زائد الوزن إذا كان مناسب كتلة جسمه حسب العمر أعلى من انحراف معياري واحد عن المتوسط المرجعي للنمو، بينما تُعد السمنة إذا تجاوز هذا المؤشر انحرافين معياريين، وفقاً للمخططات البيانية والمراجع المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، ليام رايت، الباحث في معهد البحوث الاجتماعية بجامعة كوليدج لندن: "تبدو جينات الأمهات ذات تأثير مزدوج، مباشر وغير مباشر، على وزن أطفالهن، وهو ما يدل على أهمية البيئة التي تصنعها الأم لطفلها، والتي تتشكل بدورها من خلفيتها الجينية".
وأضاف رايت: "لا يتعلق الأمر بإلقاء اللوم على الأمهات، بل بتقديم الدعم الكافي للعائلات لتوفير بيئة صحية تضمن للأبناء مستقبلاً أفضل".
وحرص الفريق البحثي على تجاوز القيود المعروفة لمؤشر كتلة الجسم، خاصة لدى الأطفال، إذ أرفقوا نتائجهم بقياسات إضافية لكتلة الدهون.
وأوصى الباحثون بأن التدخلات الصحية التي تستهدف خفض مؤشر كتلة جسم الأم، خاصة أثناء الحمل، يمكن أن تكون استراتيجية فعالة للحد من انتقال السمنة عبر الأجيال.