بقلم: د. عادل محمد الوهادنة، MD MSc FRCPCH استشاري المناعة والروماتيزم
⸻
رغم التقدم العلمي الواسع في فهم ومعالجة الأمراض الفيروسية، ما يزال فيروس الروتا محورًا لجدل يتراوح بين المعرفة العلمية الدقيقة وما يُتداول في المجالس العامة من آراء وتخمينات. فيما يلي عرض علمي رقمي إحصائي في 12 نقطة تبيّن التباين بين الواقع الطبي وما يُشاع، وتقدّم فهمًا دقيقًا قائمًا على البيانات:
1. الانتشار العالمي والإقليمي
• عالميًا، يُسجّل فيروس الروتا قرابة 200,000 حالة وفاة سنويًا بين الأطفال دون سن الخامسة (WHO 2024).
• في منطقة الشرق الأوسط، انخفضت الحالات بنسبة أكثر من 70% بعد إدخال اللقاح في برامج التطعيم الوطنية.
• في الأردن، تشير بيانات وزارة الصحة إلى انخفاض دخولات المستشفيات بسبب الإسهال بنسبة 45-60% بعد تطبيق لقاح الروتا عام 2015.
2. العدوى وأعراضها
• تبدأ الأعراض بعد فترة حضانة تمتد من 1 إلى 3 أيام، وتشمل إسهالًا مائيًا حادًا، قيئًا، حرارة، وجفافًا قد يكون خطيرًا.
• خلافًا للاعتقاد الشعبي، فإن المرض ليس ناتجًا عن التسنين أو “تيارات الهواء” كما يُشاع في المجالس.
3. الفئات الأكثر تضررًا
• 95% من حالات الإصابة الشديدة تقع بين الأطفال دون عمر السنتين.
• أعلى نسب المضاعفات تُسجّل في الفئات المحرومة من الرعاية الصحية الكافية أو ممن لم يتلقوا التطعيم.
4. التشخيص المؤكد
• التشخيص يعتمد على كشف المستضد الفيروسي في البراز (Rotavirus antigen ELISA).
• نسبة الحالات التي تُشخّص إكلينيكيًا فقط في المناطق ذات الموارد المحدودة تتجاوز 40%، مما يُضعف دقة التقدير الوبائي.
5. العلاج العلمي مقابل الموروث الشعبي
• لا يوجد دواء مضاد للفيروس، والعلاج يرتكز على تعويض السوائل والكهارل.
• شيوع استخدام الأعشاب أو “عصير التفاح واللبن” في حديث المجالس لا يغني عن المعالجة الصحيحة وقد يؤدي إلى زيادة الجفاف.
6. اللقاح: الفعالية والأمان
• لقاح الروتا يقلل من خطر الإصابة الشديدة بنسبة 85-98%، وفق بيانات CDC وWHO.
• شائعات الربط بين اللقاح ومشاكل معوية (مثل الانغلاف المعوي) غير مثبتة علميًا عند استخدام اللقاح وفق الجداول الزمنية الدقيقة.
7. نسب تغطية التطعيم
• تغطية التطعيم في الأردن تتجاوز 92% من الأطفال المستهدفين، حسب بيانات 2023.
• في المقابل، تُسجَّل مناطق بها انخفاض في التغطية نتيجة أفكار مغلوطة يُروَّج لها في بعض المجالس الأهلية.
8. العبء الاقتصادي
• قبل إدخال اللقاح، بلغت كلفة دخولات المستشفيات بسبب فيروس الروتا في الأردن قرابة 3.5 مليون دينار سنويًا.
• انخفض العبء المالي بأكثر من 60% بعد تعميم اللقاح في القطاع العام.
9. التحول في نمط السلالات
• بعد إدخال اللقاح، لوحظت تحولات طفيفة في الأنماط الجينية للفيروس، لكن دون تأثير واضح على شدة المرض أو فعالية اللقاح.
• هذا لا يعني “تحور خطير” كما قد يُفهم خطأً في بعض النقاشات العامة.
10. أثر المناعة المجتمعية
• الدراسات المحلية تشير إلى أن التطعيم الجماعي يُقلل انتقال العدوى حتى لغير المطعمين بنسبة 30-40%، عبر ما يُعرف بالمناعة المجتمعية.
11. دور الأطباء والمراكز الصحية
• هناك فجوة معلوماتية أحيانًا في التواصل الصحي؛ 22% من الأمهات في إحدى الدراسات المحلية لم تُشرح لهن فوائد اللقاح بشكل كافٍ.
• بعض الأطباء، نتيجة لضغط الوقت أو نقص التحديث، لا يقدمون رسائل توعوية دقيقة، ما يفتح المجال للمجالس الشعبية لتعبئة الفراغ.
12. الخطاب الصحي المتزن هو الجسر
• يفرض الواقع أن نُعيد صياغة الخطاب الطبي بلغة مبسطة لكن دقيقة، تُحترم فيها المعرفة المحلية دون مجاملات ضارة.
• فهمنا لفيروس الروتا، كغيره من الفيروسات، يجب أن يبقى محكومًا بالدليل العلمي، لا بانطباعات المجالس مهما كانت نواياها حسنة.
الخلاصة:
فيروس الروتا لا يُمثّل مجرد حالة طبية بل نموذجًا لصدام أو تكامل بين المعرفة الصحية العلمية والموروث الاجتماعي. ما بين العلم وحديث المجالس، تقع مسؤولية بناء جسور الحوار على الأطباء، صناع القرار، والإعلام الصحي، لضمان حماية أطفالنا بحقائق تستند إلى الأرقام لا إلى الظنون.